فصل: الْمِزَاحُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الرّكُوبِ:

رَكِبَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَرَكِبَ الْفَرَسَ مُسْرَجَةً تَارَةً وَعَرِيّا أُخْرَى وَكَانَ يُجْرِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَكَانَ يَرْكَبُ وَحْدَهُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَرُبّمَا أَرْدَفَ خَلْفَهُ عَلَى الْبَعِيرِ وَرُبّمَا أَرْدَفَ خَلْفَهُ وَأَرْكَبَ أَمَامَهُ وَكَانُوا ثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ وَأَرْدَفَ الرّجَالَ وَأَرْدَفَ بَعْضَ نِسَائِهِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَرَاكِبِهِ الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ. وَأَمّا الْبِغَالُ فَالْمَعْرُوفُ أَنّهُ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا بَغْلَةٌ وَاحِدَةٌ أَهْدَاهَا لَهُ بَعْضُ الْمُلُوكِ وَلَمْ تَكُنْ الْبِغَالُ مَشْهُورَةً بِأَرْضِ الْعَرَبِ بَلْ لَمّا أُهْدِيَتْ لَهُ الْبَغْلَةُ قِيلَ أَلّا نُنَزّيَ الْخَيْلَ عَلَى الْحُمُرِ؟ فَقَالَ إنّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ.

.فصل اتّخَاذُ الْغَنَمِ وَالرّقِيقِ:

وَاِتّخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغَنَمَ. وَكَانَ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَكَانَ لَا يُحِبّ أَنْ تَزِيدَ عَلَى مِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ بَهْمَةٌ ذَبَحَ مَكَانَهَا أُخْرَى عُتَقَاؤُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَبِيدِ أَكْثَرُ مِنْ الْإِمَاءِ وَاِتّخَذَ الرّقِيقَ مِنْ الْإِمَاءِ وَالْعَبِيدِ.

.عُتَقَاؤُهُ مِنْ الْعَبِيدِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِمَاءِ:

وَكَانَ مَوَالِيهِ وَعُتَقَاؤُهُ مِنْ الْعَبِيدِ أَكْثَرَ مِنْ الْإِمَاءِ.

.الْمَوَاضِعُ الّتِي تَكُونُ فِيهَا الْأُنْثَى عَلَى النّصْفِ مِنْ الذّكَرِ:

وَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ فِي جَامِعِهِ أَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ أَيّمَا امْرِئٍ أَعْتَقَ امْرءًا مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنْ النّارِ يُجْزِئُ كُلّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ وَأَيّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا فِكَاكَهُ مِنْ النّارِ يُجْزِئُ كُلّ عُضْوَيْنِ مِنْهُمَا عُضْوًا مِنْه وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ عِتْقَ الْعَبْدِ أَفْضَلُ وَأَنّ عِتْقَ الْعَبْدِ يَعْدِلُ عِتْقَ أَمَتَيْنِ فَكَانَ أَكْثَرُ عُتَقَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَبِيدِ وَهَذَا أَحَد الْمَوَاضِعِ الْخَمْسَةِ الّتِي تَكُونُ فِيهَا الْأُنْثَى عَلَى النّصْفِ مِنْ الذّكَرِ.
وَالثّانِي: الْعَقِيقَةُ فَإِنّهُ عَنْ الْأُنْثَى شَاةٌ وَعَنْ الذّكَرِ شَاتَانِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ عِدّةُ أَحَادِيثَ صِحَاحٍ وَحِسَانٍ.
وَالثّالِثُ الشّهَادَةُ فَإِنّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ.
وَالرّابِعُ الْمِيرَاثُ.
وَالْخَامِسُ الدّيَةُ.

.فَصْلٌ هَدْيُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعُقُودِ:

وَبَاعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاشْتَرَى وَكَانَ شِرَاؤُهُ بَعْدَ أَنْ أَكْرَمَهُ اللّهُ تَعَالَى بِرِسَالَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَيْعِهِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لَا يَكَادُ يُحْفَظُ عَنْهُ الْبَيْعُ إلّا فِي قَضَايَا يَسِيرَةٍ أَكْثَرُهَا لِغَيْرِهِ كَبَيْعِهِ الْقَدَحَ وَالْحِلْسَ فِيمَنْ يَزِيدُ وَبَيْعِهِ يَعْقُوبَ الْمُدَبّرَ غُلَامَ أَبِي مَذْكُورٍ وَبَيْعِهِ عَبْدًا أَسْوَدَ بِعَبْدَيْنِ. وَأَمّا شِرَاؤُهُ فَكَثِيرٌ وَآجَرَ وَاسْتَأْجَرَ وَاسْتِئْجَارُهُ أَكْثَرُ مِنْ إيجَارِهِ وَإِنّمَا يُحْفَظُ عَنْهُ أَنّهُ أَجّرَ نَفْسَهُ قَبْلَ النّبُوّةِ فِي رِعَايَةِ الْغَنَمِ وَأَجّرَ نَفْسَهُ مِنْ خَدِيجَةَ فِي سَفَرِهِ بِمَالِهَا إلَى الشّامِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُضَارَبَةً فَالْمَضَارِبُ أَمِينٌ وَأَجِيرٌ وَوَكِيلٌ وَشَرِيكٌ ظَهَرَ فِيهِ الرّبْحُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ الرّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ آجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفْسَهُ مِنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ سَفْرَتَيْنِ إلَى جَرَشَ كُلّ سَفْرَةٍ بِقَلُوصٍ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قَالَ فِي النّهَايَةِ: جُرَشُ بِضَمّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرّاءِ مِنْ مَخَالِيفِ الْيَمَنِ وَهُوَ بِفَتْحِهِمَا بَلَدٌ بِالشّامِ. قُلْت: إنْ صَحّ الْحَدِيثُ فَإِنّمَا هُوَ الْمَفْتُوحُ الّذِي بِالشّامِ وَلَا يَصِحّ فَإِنّ الرّبِيعَ بْنَ بَدْرٍ هَذَا هُوَ عُلَيْلَةٌ ضَعّفَهُ أَئِمّةُ الْحَدِيثِ. قَالَ النّسَائِيّ وَالدّارَقُطْنِيّ وَالْأَزْدِيّ مَتْرُوكٌ وَكَأَنّ الْحَاكِمَ ظَنّهُ الرّبِيعَ بْنَ بَدْرٍ مَوْلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ. وَشَارَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ قَالَ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ أَمَا كُنْتَ شَرِيكِي؟ فَنِعْمَ الشّرِيكُ كُنْتَ لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي. وَتُدَارِئُ بِالْهَمْزَةِ مِنْ الْمُدَارَأَةِ وَهِيَ مُدَافَعَةُ الْحَقّ فَإِنْ تُرِكَ هَمْزُهَا صَارَتْ مِنْ الْمُدَارَاةِ وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ بِاَلّتِي هِيَ أَحْسَنُ. وَوَكّلَ وَتَوَكّلَ وَكَانَ تَوْكِيلُهُ أَكْثَرَ مِنْ تَوَكّلِهِ. وَأَهْدَى وَقَبِلَ الْهَدِيّةَ وَأَثَابَ عَلَيْهَا وَوَهَبَ وَاتّهَبَ فَقَالَ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ جَارِيَةٌ: هَبْهَا لِي فَوَهَبَهَا لَهُ فَفَادَى بِهَا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ أُسَارَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَدَانَ بِرَهْنٍ وَبِغَيْرِ رَهْنٍ وَاسْتَعَارَ وَاشْتَرَى بِالثّمَنِ الْحَالّ وَالْمُؤَجّلِ.

.الضّمَان:

وَضَمِنَ ضَمَانًا خَاصّا عَلَى رَبّهِ عَلَى أَعْمَالٍ مَنْ عَمِلَهَا كَانَ مَضْمُونًا لَهُ بِالْجَنّةِ وَضَمَانًا عَامّا لِدُيُونِ مَنْ تُوُفّيَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَدَعْ وَفَاءً أَنّهَا عَلَيْهِ وَهُوَ يُوفِيهَا وَقَدْ قِيلَ إنّ هَذَا الْحُكْمَ عَامّ لِلْأَئِمّةِ بَعْدَهُ فَالسّلْطَانُ ضَامِنٌ لِدُيُونِ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يُخْلِفُوا وَفَاءً فَإِنّهَا عَلَيْهِ يُوَفّيهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقَالُوا: كَمَا يَرِثُهُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا فَكَذَلِكَ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَفَاءً وَكَذَلِكَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ. وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضًا كَانَتْ لَهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً فِي سَبِيلِ اللّهِ وَتَشَفّعَ وَشُفّعَ إلَيْهِ وَرَدّتْ بِرَيْرَةُ شَفَاعَتَهُ فِي مُرَاجَعَتِهَا مُغِيثًا فَلَمْ يَغْضَبْ عَلَيْهَا وَلَا عَتَبَ وَهُوَ الْأُسْوَةُ وَالْقُدْوَةُ وَحَلَفَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِينَ مَوْضِعًا وَأَمَرَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِالْحَلِفِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فَقَالَ: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبّي إِنّهُ لَحَقّ} [يُونُسُ 53] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبّي لَتَأْتِيَنّكُمْ} [سَبَأٌ 3] وَقَالَ تَعَالَى: {زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ} [التّغَابُنُ 7] وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إسْحَاقَ الْقَاضِي يُذَاكِرُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمّدَ بْنَ دَاوُد الظّاهِرِيّ وَلَا يُسَمّيهِ بِالْفَقِيهِ فَتَحَاكَمَ إلَيْهِ يَوْمًا هُوَ وَخَصْمٌ لَهُ فَتَوَجّهَتْ الْيَمِينُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد فَتَهَيّأَ لِلْحَلِفِ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ أَوَتَحْلِفُ وَمِثْلُك يَحْلِفُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْحَلِفِ وَقَدْ أَمَرَ اللّهُ تَعَالَى نَبِيّهُ بِالْحَلِفِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ قَالَ أَيْنَ ذَلِكَ؟ فَسَرَدَهَا لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ جِدّا وَدَعَاهُ بِالْفَقِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

.الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ:

وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَثْنِي فِي يَمِينِهِ تَارَةً وَيُكَفّرُهَا تَارَةً وَيَمْضِي فِيهَا تَارَةً وَالِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ عَقْدَ الْيَمِينِ وَالْكَفّارَةُ تُحِلّهَا بَعْدَ عَقْدِهَا وَلِهَذَا سَمّاهَا اللّهُ تَحِلّةً.

.الْمِزَاحُ:

وَكَانَ يُمَازِحُ وَيَقُولُ فِي مِزَاحِهِ الْحَقّ وَيُوَرّي وَلَا يَقُولُ فِي تَوْرِيَتِهِ إلّا الْحَقّ مِثْلَ أَنْ يُرِيدَ جِهَةً يَقْصِدُهَا فَيَسْأَلُ عَنْ غَيْرِهَا كَيْفَ طَرِيقُهَا؟ وَكَيْفَ مِيَاهُهَا وَمَسْلَكُهَا؟ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَكَانَ يُشِيرُ وَيَسْتَشِيرُ. وَكَانَ يَعُودُ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدُ الْجِنَازَةَ وَيُجِيبُ الدّعْوَةَ وَيَمْشِي مَعَ الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ وَالضّعِيفِ فِي حَوَائِجِهِمْ وَسَمِعَ مَدِيحَ الشّعْرِ وَأَثَابَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ الْمَدِيحِ فَهُوَ جُزْءٌ يَسِيرٌ جِدّا مِنْ مَحَامِدِهِ وَأَثَابَ عَلَى الْحَقّ. وَأَمّا مَدْحُ غَيْرِهِ مِنْ النّاسِ فَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ بِالْكَذِبِ فَلِذَلِكَ أَمَرَ أَنْ يُحْثَى فِي وُجُوهِ الْمَدّاحِينَ التّرَابُ.

.فَصْلٌ:

وَسَابَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَصَارَعَ وَخَصَفَ نَعْلَهُ بِيَدِهِ وَرَقّعَ ثَوْبَهُ بِيَدِهِ وَرَقّعَ دَلْوهُ وَحَلَبَ شَاتَهُ وَفَلّى ثَوْبَهُ وَخَدَمَ أَهْلَهُ وَنَفْسَهُ وَحَمَلَ مَعَهُمْ اللّبِنَ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَرَبَطَ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنْ الْجُوعِ تَارَةً وَشَبِعَ تَارَةً وَأَضَافَ وَأُضِيفَ وَاحْتَجَمَ فِي وَسَطِ رَأْسِهِ وَعَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ وَاحْتَجَمَ فِي الْأَخْدَعَيْنِ وَالْكَاهِلِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَتَدَاوَى وَكَوَى وَلَمْ يَكْتَوِ وَرَقَى وَلَمْ يَسْتَرْقِ وَحَمَى الْمَرِيضَ مِمّا يُؤْذِيهِ.

.جَمَعَ الْقُرْآنَ لِأُصُولِ الطّبّ:

وَأُصُولُ الطّبّ ثَلَاثَةٌ: الْحِمْيَةُ وَحِفْظُ الصّحّةِ وَاسْتِفْرَاغُ الْمَادّةِ الْمُضِرّةِ وَقَدْ جَمَعَهَا اللّهُ تَعَالَى لَهُ وَلِأُمّتِهِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فَحَمَى الْمَرِيضَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ خَشْيَةً مِنْ الضّرَرِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمّمُوا صَعِيدًا طَيّبًا} [النّسَاءُ 43 وَالْمَائِدَةُ 6] فَأَبَاحَ التّيَمّمَ لِلْمَرِيضِ حِمْيَةً لَهُ كَمَا أَبَاحَهُ لِلْعَادِمِ وَقَالَ فِي حِفْظِ الصّحّةِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} [الْبَقَرَةُ 184] فَأَبَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ حِفْظًا لِصِحّتِهِ لِئَلّا يَجْتَمِعَ عَلَى قُوّتِهِ الصّوْمُ وَمَشَقّةُ السّفَرِ فَيُضْعِفُ الْقُوّةَ وَالصّحّةَ. وَقَالَ فِي الِاسْتِفْرَاغِ فِي حَلْقِ الرّأْسِ لِلْمُحْرِمِ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [الْبَقَرَةُ 196] فَأَبَاحَ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَيَسْتَفْرِغَ الْمَوَادّ الْفَاسِدَةَ وَالْأَبْخِرَةَ الرّدِيئَةَ الّتِي تَوَلّدَ عَلَيْهِ الْقَمْلُ كَمَا حَصَلَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَوْ تَوَلّدَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ وَهَذِهِ الثّلَاثَةُ هِيَ قَوَاعِدُ الطّبّ فَذَكَرَ مِنْ كُلّ جِنْسٍ مِنْهَا شَيْئًا وَصُورَةً تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي أَمْثَالِهَا مِنْ حِمْيَتِهِمْ وَحِفْظِ صِحّتِهِمْ وَاسْتِفْرَاغِ مَوَادّ أَذَاهُمْ رَحْمَةً لِعِبَادِهِ وَلُطْفًا بِهِمْ وَرَأْفَةً بِهِمْ. وَهُوَ الرّءُوفُ الرّحِيمُ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُعَامَلَتِهِ:

.السّلَفِ فِي الْعُقُودِ:

كَانَ أَحْسَنَ النّاسِ مُعَامَلَةً. وَكَانَ إذَا اسْتَسْلَفَ سَلَفًا قَضَى خَيْرًا مِنْهُ. وَكَانَ إذَا اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ سَلَفًا قَضَاهُ إيّاهُ وَدَعَا لَهُ فَقَالَ: بَارَكَ اللّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِك إنّمَا جَزَاءُ السّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ وَاسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ أَرْبَعِينَ صَاعًا فَاحْتَاجَ الْأَنْصَارِيّ فَأَتَاهُ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «مَا جَاءَنَا مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» فَقَالَ الرّجُلُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَكَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَا تَقُلْ إلّا خَيْرًا فَأَنَا خَيْرُ مَنْ تَسَلّفَ» فَأَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ فَضْلًا وَأَرْبَعِينَ سُلْفَةً فَأَعْطَاهُ ثَمَانِينَ ذَكَرَهُ الْبَزّارُ. وَاقْتَرَضَ بَعِيرًا فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَمّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ: دَعُوهُ فَإِنّ لِصَاحِبِ الْحَقّ مَقَالًا وَاشْتَرَى مَرّةً شَيْئًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ فَأُرْبِحَ فِيهِ فَبَاعَهُ وَتَصَدّقَ بِالرّبْحِ عَلَى أَرَامِلِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَقَالَ: لَا أَشْتَرِي بَعْدَ هَذَا شَيْئًا إلّا وَعِنْدِي ثَمَنُهُ ذَكَرَهُ أَبُو دَاود وَهَذَا لَا يُنَاقِضُ الشّرَاءَ فِي الذّمّةِ إلَى أَجَلٍ فَهَذَا شَيْءٌ وَهَذَا شَيْءٌ. وَتَقَاضَاهُ غَرِيمٌ لَهُ دَيْنًا فَأَغْلَظَ عَلَيْهِ فَهَمّ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فَقَالَ: مَهْ يَا عُمَرُ كُنْت أَحْوَجَ إلَى أَنْ تَأْمُرَنِي بِالْوَفَاءِ. وَكَانَ أَحْوَجَ إلَى أَنْ تَأْمُرَهُ بِالصّبْرِ وَبَاعَهُ يَهُودِيّ بَيْعًا إلَى أَجَلٍ فَجَاءَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ يَتَقَاضَاهُ ثَمَنَهُ فَقَالَ: لَمْ يَحِلْ الْأَجَلُ فَقَالَ الْيَهُودِيّ: إنّكُمْ لَمَطْلٌ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهَمّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَنَهَاهُمْ فَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ إلّا حِلْمًا فَقَالَ الْيَهُودِيّ: كُلّ شَيْءٍ مِنْهُ قَدْ عَرَفْته مِنْ عَلَامَاتِ النّبُوّةِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَةٌ وَهِيَ أَنّهُ لَا تَزِيدُهُ شِدّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إلّا حِلْمًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَعْرِفَهَا فَأَسْلَمَ الْيَهُودِيّ.

.فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَشْيِهِ وَحْدَهُ وَمَعَ أَصْحَابِهِ:

كَانَ إذَا مَشَى تَكَفّأَ تَكَفّؤًا وَكَانَ أَسْرَعَ النّاسِ مِشْيَةً وَأَحْسَنَهَا وَأَسْكَنَهَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَنّ الشّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَنّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ وَإِنّا لَنُجْهِدَ أَنْفُسَنَا وَإِنّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا مَشَى تَكَفّأَ تَكَفّؤًا كَأَنّمَا يَنْحَطّ مِنْ صَبَب وَقَالَ مَرّةً إذَا مَشَى تَقَلّع قُلْت: وَالتّقَلّعُ الِارْتِفَاعُ مِنْ الْأَرْضِ بِجُمْلَتِهِ كَحَالِ الْمُنْحَطّ مِنْ الصّبَبِ وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعَزْمِ وَالْهِمّةِ وَالشّجَاعَةِ وَهِيَ أَعْدَلُ الْمِشْيَاتِ وَأَرْوَاحُهَا لِلْأَعْضَاءِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ مِشْيَةِ الْهَوَجِ وَالْمَهَانَةِ وَالتّمَاوُتِ فَإِنّ الْمَاشِيَ إمّا أَنْ يَتَمَاوَتَ فِي مَشْيِهِ وَيَمْشِيَ قِطْعَةً وَاحِدَةً كَأَنّهُ خَشَبَةٌ مَحْمُولَةٌ وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ قَبِيحَةٌ وَإِمّا أَنْ يَمْشِيَ بِانْزِعَاجٍ وَاضْطِرَابٍ مَشْيَ الْجَمَلِ الْأَهْوَجِ وَهِيَ مِشْيَةٌ مَذْمُومَةٌ أَيْضًا وَهِيَ دَالّةٌ عَلَى خِفّةِ عَقْلِ صَاحِبِهَا وَلَا سِيّمَا إنْ كَانَ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ حَالَ مَشْيِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَإِمّا أَنْ يَمْشِيَ هَوْنًا وَهِيَ مِشْيَةُ عِبَادِ الرّحْمَنِ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهَا فِي كِتَابِهِ فَقَالَ: {وَعِبَادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الْفُرْقَانُ: 63] قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السّلَفِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ مِنْ غَيْرِ تَكَبّرٍ وَلَا تَمَاوُتٍ وَهِيَ مِشْيَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُ مَعَ هَذِهِ الْمِشْيَةِ كَانَ كَأَنّمَا يَنْحَطّ مِنْ صَبَبٍ وَكَأَنّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ حَتّى كَانَ الْمَاشِي مَعَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرُ مُكْتَرِثٍ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَمْرَيْنِ أَنّ مِشْيَتَهُ لَمْ تَكُنْ مِشْيَةً بِتَمَاوُتٍ وَلَا بِمَهَانَةٍ بَلْ مِشْيَةً أَعْدَلَ الْمَشَيَاتِ.

.أَنْوَاعُ الْمَشْيِ:

وَالْمِشْيَاتُ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ هَذِهِ الثّلَاثَةُ مِنْهَا وَالرّابِعُ السّعْيُ.
وَالْخَامِسُ الرّمَلُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى وَيُسَمّى: الْخَبَبَ وَفِي الصّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبّ فِي طَوَافِهِ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا السّادِسُ النّسَلَانُ وَهُوَ الْعَدْوُ الْخَفِيفُ الّذِي لَا يُزْعِجُ الْمَاشِيَ وَلَا يُكْرِثُهُ. وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ أَنّ الْمُشَاةَ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَشْيِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ اسْتَعِينُوا بِالنّسَلَانِ وَالسّابِعُ الْخَوْزَلَى وَهِيَ مِشْيَةُ التّمَايُلِ وَهِيَ مِشْيَةٌ يُقَالُ إنّ فِيهَا تَكَسّرًا وَتَخَنّثًا.
وَالثّامِنُ الْقَهْقَرَى وَهِيَ الْمِشْيَةُ إلَى وَرَاءٍ.
وَالتّاسِعُ الْجَمَزَى وَهِيَ مِشْيَةٌ يَثِبُ فِيهَا الْمَاشِي وَثْبًا.
وَالْعَاشِرُ مِشْيَةُ التّبَخْتُرِ وَهِيَ مِشْيَةُ أُولِي الْعُجْبِ وَالتّكَبّرِ وَهِيَ الّتِي خَسَفَ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِصَاحِبِهَا لَمّا نَظَرَ فِي عِطْفَيْهِ وَأَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَأَعْدَلُ هَذِهِ الْمِشْيَاتِ مِشْيَةُ الْهَوْنِ وَالتّكَفّؤِ.